أديب وكاتب جزائري، لقب “الأب المؤسس” للأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، وصفته وزارة الثقافة الفرنسية -في بيان نعته فيه- بأنه “كان صلة الوصل الروحية بين الجزائر وفرنسا، وبين الشمال والجنوب في (البحر الأبيض) المتوسط، وبين ضفتيْ الفرنكوفونية”.
المولد والنشأة
ولد محمد ديب يوم 21 يوليو/تموز 1920 في تلمسان غربي الجزائر، لأسرة كان أبوها كثير التنقل بين المهن لتوفير لقمة عيشها.
الدراسة والتكوين
توفي والده في 1931، ورغم الظروف المعيشية السيئة فإن ديب واصل تعليمه بعد انتقاله إلى مدينة وجدة المغربية، لكنه عاد إلى الجزائر قاصدا ولاية وهران لينتسب إلى مدرسة المعلمين، واستطاع أن يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
الوظائف والمسؤوليات
بدأ ديب حياته المهنية وعمره لا يتجاوز 12 سنة، وبعد أن عاش فترة قصيرة بمدينة وجدة المغربية عاد إلى الجزائر عام 1939 لممارسة التعليم في قرية “زوج بغال” على الحدود الجزائرية المغربية.
التحق 1942 بالعمل في مؤسسة للسكك الحديدية، ولكونه يتقن الإنجليزية والفرنسية فقد عمل محاسبا ثم مترجما لجيش الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، وتحول بعد ذلك إلى مصمم ديكورات ورسوم سجاد خلال 1945-1948 بولاية تلمسان.
اشتغل في 1948 بالصحافة فعمل في جريدة “الجزائر الجمهورية”، كما ساهم في يومية “الحرية” لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري، فنفته الشرطة الفرنسية بسبب كتاباته المناهضة للاستعمار الفرنسي للجزائر.
التجربة الأدبية
رغم الظروف القاسية التي مر بها ديب خلال فترات حياته المختلفة، فإنه انكب على إغناء رصيده المعرفي بمطالعة الأدب الفرنسي قديمه وحديثه، كما ساهم احتكاكه بكبار كتاب عصره (أمثال ألبير كامو وجان سيناك ولويس جيو، وابن بلده مولود فرعون) في تكوين شخصيته الأدبية المتميزة، وبات يعد من أشهر كتاب الرواية الجزائرية بتأسيسه لنمط جديد في الكتابة الإبداعية.
زار بعد ذلك عدة دول بدءا بفرنسا فإيطاليا وصولا إلى أميركا وفنلندا ودول بأوروبا الشرقية، ثم اختار بعد ذلك الاستقرار في المغرب عام 1960، وبعد استقلال الجزائر 1962 عاد إلى وطنه، لكنه سافر مرة أخرى إلى فرنسا مفضلا الاستقرار فيها إلى حين وفاته.
حاز اطلاعا واسعا على الأشكال التعبيرية في الرواية الجديدة والفلسفة الحديثة وبدرجة أقل على التراث الإسلامي، وساهم نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي الجزائري في تكوينه عبر انتقاده اللاذع للظاهرة الاستعمارية.
قال عنه الروائي الطاهر وطار: “محمد ديب في ثلاثيته الروائية تفوّق على نجيب محفوظ في “زقاق المدق” و”القاهرة الجديدة”، وعلى حنة مينة في “المصابيح الزرق”، وعلى غائب طعمة في “النخلة والجيران”، فكل هذه الروايات صدرت في أوقات متقاربة وتعالج موضوع الحرب العالمية الثانية ومشكلاتها”.
أضاف وطار “لقد اكتشفتُ تفوق محمد ديب على الآخرين، وأنه أكثر أصالة كعربي وجزائري ومسلم من زملائه في التعبير عن أزمة الإنسان العربي”.
شارك ديب في عدة ورشات وندوات بجامعات عالمية مهتمة بالأدب المغاربي بصفة خاصة، وألقى فيها سلسلة من المحاضرات عن أعماله.
المؤلفات
كان ميلاده الأدبي عام 1952 مع صدور باكورة رواياته “الدار الكبيرة” عن دار النشر الفرنسية “لوسوي” ونفاد طبعتها الأولى خلال شهر فقط، ثم توالت إصداراته الروائية التي تبلغ 18 رواية.
ألف ضمن ثلاثية الجزائر الأولى: “الحريق” (1954)، “النول” (1957)، وضمن ثلاثية الجزائر الثانية: “من يتذكر البحر” (1962)، “الجري على الضفة المتوحشة” (1964)، “رقصة الملك” (1968).
تواصلت تجاربه السردية خلال 1970-1977 بنشر ثلاث روايات هي “إله وسط الوحشية” (1970)، “سيد القنص” (1973)، “هابيل” (1977)، كما ألف في ثلاثية الشمال: “شرفات أورسول” (1985)، “إعفاء حواء” (1989)، “ثلوج من رخام” (1990).
أصدر في القصة ثلاث مجموعات هي: “في المقهى” (1957)، “تلمسان” (1966)، “الليلة المتوحشة” (1995)، وله مسرحية منشورة في كتاب “ألف صيحة لمومس” (1980)، كما كتب في الشعر ثمانية دواوين أشهرها: “حارسة الظلال” (1961)، “تلك النار الجميلة” (1979)، و”طفل الجاز” (1998).
جمع طائفة من الحكايات التراثية المتداولة في بلدان المغرب العربي ضمن أربعة إصدارات، هي: “بابا فكران” (1959)، “حكاية القط الممتنع عن الكلام” (1974)، “سالم والمشعوذ” (2000)، “حكاية الخرتيت الذي كان يعتقد أنه قبيح الشكل”.
الجوائز والأوسمة
نال الجائزة الدولية التقديرية للآداب رفقة الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة عام 1963، وتبرع بقيمتها لدور العجزة والمعدمين ومعطوبي الحرب.
كان أول كاتب مغاربي يحصل على جائزة الفرنكوفونية عام 1994 احتفاءً بأعماله السردية والشعرية، وتسلمها من الأكاديمية الفرنسية. كما فاز بجائزة “مالارميه” عام 1998.
الوفاة
توفي الأديب محمد ديب يوم 2 مايو/أيار 2003 في العاصمة الفرنسية باريس.