إيدير.. ابن “جرجرة” صاحب “أفافا إينوفا”

أحد أشهر الموسيقيين الأمازيغ الذين أنجبتهم منطقة القبائل الجزائرية. يعتبر سفير الأغنية الأمازيغية في العالم. مزج بين إيقاعات محلية وغربية وألف وغنى قطعا مطبوعة بحس إنساني عميق فتحت له آفاق العالمية. صاحب مسار متفرد نقله من عوالم الجيولوجيا والنفط إلى أرفع منصات الموسيقى.

الميلاد والنشأة
ولد إيدير (واسمه الحقيقي حميد شريت) عام 1949 بقرية نائية في أعالي جبال جرجرة، تدعى آيت لحسين، تقع في أعماق منطقة القبائل الأمازيغية بالجزائر، وتبعد 35 كيلومترا عن تيزي أوزو، عاصمة القبائل الكبرى. كان والده راعيا ونشأ في كنف أسرة مطبوعة بالثقافة الأمازيغية.

يقول إيدير في حديث صحفي “لقد كنت محظوظا بوجود جدتي وأمي الشاعرتين. كان الناس يأتون من بعيد للإنصات إليهما”.

الدراسة والتكوين
اكتشفت مواهبه الموسيقية في المدرسة الابتدائية حيث وجهه أستاذ العلوم الطبيعية إلى تعلم عزف الغيتار. ومع ذلك ظل إيدير مركزا على دراسته التي واصلها متخصصا في شعبة الجيولوجيا حيث كان يفترض أن يخوض حياته المهنية في قطاع البترول، لكنه استسلم في النهاية لشغف الفن والحاجة إلى التعبير عن ذاته عن طريق الغناء والموسيقى.

التجربة الفنية
“لقد تشبعت بأجواء ساحرة من أمسيات تحييها الحكايات والألغاز. في مجتمع تهيمن عليه الثقافة الشفاهية، فإن للكلمة قيمة كبرى” هكذا يلخص إيدير في تصريح صحفي مرجعيته الثقافية والفنية في قريته الأمازيغية.

فمنذ طفولته كان مشدودا إلى فن الكلمة بعمقها الشعبي التراثي، إيقاعا وشعرا، لكن البداية الممهدة للاحتراف كانت عن طريق الصدفة ابتداء من عام 1973، حينما عوض فنانا مريضا في أداء أغنية للأطفال على أثير الإذاعة مما أثار الانتباه إلى جمال صوته الذي استمعت إليه والدته دون أن تعرف أنه صوت ابنها.

مضى في ذات السنة لأداء الخدمة العسكرية وبعد عودته سجل الأغنية التي ما زالت حتى الآن درة أعماله “أفافا إينوفا”، وذلك في أستوديو القناة الأمازيغية بالجزائر العاصمة. وتخلد الأغنية أسطورة أمازيغية لفتاة تدعى غريبا، تظل طيلة اليوم في الغابة تجمع الثمار من أجل أبيها العجوز وإخوتها الصغار، فإذا حل المساء، تعود إلى بيت أبيها وهي متعبة.

تطرق الباب فحتار الشيخ إينوفا هل يفتح الباب أم لا خوفا من وحش الغابة. يتفق العجوز إينوفا مع ابنته غريبا على أن ترج أساورها ليتأكد من أنها ابنته. تدخل البيت وترتمي في أحضان والدها العجوز فتنشد أغنيتها.

وفي سنة 1979 أعاد إيدير التجربة بكتابته لمجموعة من الأغاني تضمنها ألبومه الثاني والذي حمل عنوان “أياراش إناغ”. وبعد النجاح المدوي للبدايات خصوصا مع أفافا إينوفا التي كانت أول قطعة غنائية من شمال أفريقيا تحقق العالمية.

شكل عقد الثمانينات مرحلة احتجاب لإيدير قبل أن يعود سنة 1991 للأستوديوهات حيث أعاد تسجيل 17 أغنية من الألبومين الأولين. وأحيى حفلا ناجحا بباريس في فبراير/شباط عام 1992 ليصنف النمط الفني للفنان الجزائري ضمن “الموسيقى العالمية”.

وفي سنة 1993 أطل بعمل جديد أدخله عالم الاحترافية مع فرقة بلو سيلفيري من خلال توظيف إيقاعات موسيقية تتضمن الغيتار والناي والأورغ، إضافة إلى الدربوكة. وصعد إيدير منصة قاعة الأوليمبيا الشهيرة لمدة ثلاثة أيام على التوالي.

يتميز إيدير في اختياراته الفنية بروح الالتزام والحس الإنساني والتشبث بالهوية والأرض والذاكرة، وشارك في 22 يناير/كانون الثاني 1995 في حفل من أجل السلام في إطار جمعية “الجزائر الحياة” التي يرأسها الشاب خالد.

كما كان حاضرا في تكريم أيقونة الأغنية الأمازيغية “معطوب وناس” الذي اغتيل سنة 1998. ولعل عناوين أغانيه وألبوماته تعكس هذه الروح على غرار “القرية الصغيرة” و”الجزائر في قلبي” و”هويات: ضفتان وحلم واحد” و”فرنسا بالألوان”.

قال عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو “إيدير ليس مغنيا مثل الآخرين، إنه فرد من كل عائلة”. ظل مقلا في الإنتاج بالنظر إلى طول مشواره الفني، ذلك لأنه، كما قال يوما، غير قادر على الكتابة عن أشياء لم يعشها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *