شاعر ومناضل جزائري، كرس شعره لقضايا وطنه فعرف بـ”شاعر الثورة الجزائرية”، خلد تاريخ بلده في “إلياذة الجزائر” التي بلغت ألف بيت من الشعر، أصدر عددا من الدواوين، وكتب كلمات النشيد الجزائر الوطني.
المولد والنشأة
ولد زكري بن سليمان (مفدي زكرياء) يوم 12 يونيو/حزيران 1908 بأحد القصور السبعة لوادي ميزاب بني يزقن في ولاية غرداية جنوب الجزائر، عرف بلقب “مفدي” الذي أطلقه عليه زميله سليمان بو جناح.
الدراسة والتكوين
بدأ تعليمه الأول في الكتاتيب بمسقط رأسه فدرس القرآن ومبادئ اللغة العربية، ثم رحل إلىتونس وفيها واصل تعليمه باللغتين العربية والفرنسية بمدرسة العطارين والمدرسة الخلدونية، ثم التحق بالزيتونة فحصل على شهادتها.
التجربة السياسية
انضم إلى صفوف العمل السياسي والوطني في أوائل ثلاثينات القرن العشرين، فواكب الحركة الوطنيّة في المغرب العربي بشعره وبنضاله، فانخرط في صفوف الشبيبة الدستوريّة فترة دراسته بتونس، وشارك في مؤتمرات طلبة شمال أفريقيا المناهضة لسياسة الإدماج.
نشط بشكل فاعل في الحركة الوطنية الجزائرية، فكان عضوا بحزب نجم شمال أفريقيا، وعضوا مؤسسا لحزب الشعب الجزائري، ثم أمينا عاما له، وعضوا في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية.
تعرض للاعتقال والسجن على يد سلطة الاحتلال الفرنسي أكثر من مرة بسبب نشاطه السياسي، حيث اعتقل في أغسطس/آب 1937 رفقة مصالي الحاج، ثم في مايو/أيار 1945 لمدة ثلاث سنوات، ثم في فبراير/شباط 1946 لمدة ستة أشهر.
وفي سنة 1955 أعلن انضمامه لثورة التحرير، ولم تمض سنة حتى اعتقل وسجن بسجن سركاجي في العاصمة الجزائر لمدة ثلاث سنوات، بتهمة المساس بأمن الدولة من خلال تأليفه للّشيد الوطني “قسمًا”، فأُمِّمَتْ أملاكه وضاع الكثير من أعماله المخطوطة.
تمكن من الفرار من السجن في 1 فبراير/شباط 1959 وتوجّه إلى المغرب ثم إلى تونس للعلاج من آثار المعاناة والتعذيب في السجن، واغتنم وجوده بتونس فساهم في تأسيس جريدة المجاهد.
وبعد الاستقلال عاش حياته متنقلا بين بلدان المغرب العربي، وكان أكثر وقته بالمملكة المغربية، وخاصة خلال سنوات عمره الأخيرة.
التجربة الأدبية
في بدايات مساره الشعري حضر المجالس الأدبية للأديب التونسي الكبير العربي الكبادي، كما جمعته صداقة حميمة في تلك الفترة بالشاعرين أبو القاسم الشابّي، ورمضان حمود، وأبي اليقظان إبراهيم عميد الصحافة العربية بالجزائر.
تأثر مفدي بواقع الجزائر المثخن بجراحات الاستعمار، المشحون بروح التحرر، فكان شعره سفرا من أسفار نضالات الشعب الجزائري للتخلص من الاستعمار الفرنسي ونيل الاستقلال، وامتزج الأدبي في شعره بالسياسي، وعرف بشاعر الثورة الجزائرية.
كان سفير القضية الجزائرية، فساهم في التعريف بها في الصحافة المغربية والتونسية، وحمل هموم وطنه وثورتَه حيث حل، وكانت قصائده وأناشيده مرآة عاكسة لثورة الجزائر وتوق أهلها للحرية والانعتاق مرددا بيته الشعري:
“أنا إن مت فالجـزائر تحيا حرة مستقلة لن تبيدا”.
كتب القصائد والملاحم والأناشيد فكانت كلها تعبيرا عن آلام وآمال الجزائريين، وتغنى بها الإنسان الجزائري، وتحولت إلى أيقونة ورمز للتحرر، فكان يرددها الطفل في طريقه للفصل الدراسي، والشهيد على منصة الإعدام.
وتعكس دواوين: “ظلال الزيتون” و”اللهب المقدس”، و”من وحي الأطلس” الالتزام الشعري عنده، إذ تسيطر على مضامينها القصيدة الوطنية، وتعتبر “إلياذة الجزائر” التي تتألف من ألف بيت وبيت ملحمة تخلد التاريخ الجزائري وتتغنى بأمجاده.
وقد ترك بصمته على الحياة الثقافية والسياسية الجزائرية من خلال أناشيده الوطنية المختلفة، فقد ألف النشيد الوطني الجزائري “قَسَمًا” وهو في سجن “بربروس” في أبريل/نيسان 1955، ونشيد الشهداء الذي كان المحكومون بالإعدام يرددونه قبل الصعود للمقصلة، وأناشيد وطنية أخرى كثيرة.
شارك بشكل فعال في مؤتمرات الفكر الإسلامي التي أسسها صديقه الحميم ووزير الشؤون الدينية الجزائري الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان صاحب فكرة نظم ديوان إلياذة الجزائر التي ألقيت بمناسبة ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر العاصمة سنة 1972.
المؤلفات والدواوين
أصدر دواوين شعر، من بينها: “تحت ظلال الزيتون” و”اللهب المقدس”، و”إلياذة الجزائر”، و”من وحي الأطلس”، كما ترك العديد من الدواوين التي لم تنشر.
وتعبيرا عن تعلقه بالفكر والثقافة أوصى بتحويل بيته في بني يزقن إلى مركز إشعاع علمي، فأصبح مكتبة للمطالعة، تضم أهم مخطوطاته والعديد من المصادر العلميّة القديمة والحديثة تحت إشراف عائلته.
الجوائز والأوسمة
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة في وطنه وفي المغرب العربي، فقد حصل في الجزائر على وسام المقاوم، ووسام الأثير في نظام الاستحقاق الوطني، وشهادة تقدير على أعماله ومؤلفاته، كما أطلقت الدولة اسمه على قصر الثقافة بالجزائر العاصمة.
وفي المغرب حصل على وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى، فيما حصل بتونس على وسام الاستقلال ووسام الاستحقاق الثقافي.
الوفاة
توفي زكري بن سليمان (مفدي زكريا) يوم 17 أغسطس/آب 1977 بتونس ونقل جثمانه إلى الجزائر ودفن بمسقط رأسه في بني يزقن بغرداية.